أكد عدد من المسؤولين وخبراء
التعليم في الدولة وخارجها، أن التحول في التعليم من النموذج التقليدي إلى نموذج
جديد جاء لتعزيز القدرة التنافسية للدولة في المستقبل وتطوير قدرات طلبتنا
ومجتمعنا، خاصة في ظل التأثيرات الضخمة المتعلقة بالتقنيات الحديثة، وهو الأمر الذي
استعدت له دولة الإمارات بتوجيهات القيادة الرشيدة من خلال إحداث نقلة نوعية
في التعليم، وتضمين الخطط والمؤشرات النوعية، في مئويتها 2071 للنهوض به.
جاء ذلك خلال انطلاق أعمال
المؤتمر الدولي الخامس الذي ينظمه المركز الإقليمي للتخطيط التربوي على مدار يومين
في معهد تدريب المعلمين بعجمان تحت شعار" مستقبل التعليم ومحركات
التغيير" .
شهد المؤتمر سعادة الدكتور
محمد المعلا وكيل الوزارة للشؤون الأكاديمية للتعليم العالي، والدكتور إبراهيم بن
عبد المحسن البديوي وكيل التخطيط والتطوير في وزارة التربية والتعليم بالمملكة
العربية السعودية، بجانب عدد من قيادات وزارة التربية والتعليم، ونخبة من الخبراء
التربويين من داخل وخارج الدولة.
يهدف المؤتمر إلى تحقيق حوار
فعال بين صانعي السياسات والعاملين في المجال التربوي والباحثين من أجل الخروج
بأفكار تطويرية ومبدعة ومبتكرة للقضايا التي تواجه أنظمة التعليم إلى جانب سعيه
لتعزيز البحث للتعرف إلى محركات مستقبل التعليم، والتعامل مع التحديات التي تطرحها
التغيرات التكنولوجية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية على أنظمة
التعليم.
يسلط المؤتمر في نسخته
الخامسة الضوء على دعم وتعزيز ونشر المعرفة فيما يتعلق بالعوامل المحركة لمستقبل
التعليم وذلك من خلال أربع فعاليات رئيسية يتضمنها، وهي الجلسات الرئيسية والورش
التفاعلية والجلسات النقاشية الحوارية ومحطات المستقبل.
ويشارك في المؤتمر خبراء
محليين وإقليميين ودوليين في مجال التربية والتعليم كلُّ في مجال تخصصه، ويتضمن
ثلاثة محاور رئيسية يدور حولها النقاش والبحث، وهي التعليم المستقبلي في عصر
التحول الرقمي والتعليم من أجل وظائف المستقبل، ومناهج التعليم المستقبلية، ويندرج
تحت كل محور جملة من العناوين الفرعية التي تعزز المحاور المطروحة.
ويقدم المؤتمر نموذجا لما
يمكن أن تكون عليه المنظومات التعليمية في المستقبل من خلال "محطات
تفاعلية" يتم فيها استعراض أحد المحركات المؤثرة على مستقبل نظم التعليم
والطلب من المشاركين في هذه المحطات تخيل مدى ما يمكن أن تحدثه التصورات
المستقبلية للتعليم.
أكد سعادة الدكتور محمد
المعلا في الكلمة الافتتاحية، أن ثمة حراكا تربويا مستمرا، ومواضيع في غاية
الأهمية يتناولها المؤتمر في نسخته الجديدة، غايتها الوصول إلى فهم مشترك للتحديات
والفرص التي يفرضها التعليم المستقبلي على أنظمة التعليم، واكتساب المعرفة
المتعلقة بالتشريع، وسياسات التعليم، والمبادرات الناجحة المتعلقة عالميا بالتعليم
في المستقبل، وتعزيز فهم أكبر للتعليم في المستقبل، وكيفية توافقه مع جدول أعمال
الأمم المتحدة الخاص بالهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة (التعليم 2030).
وقال إنه عندما نتحدث عن
التعليم المستقبلي، فإن هذا بالضرورة يستدعي منا تسليط الضوء على قضايا مهمة وملحة
تدخل في صلب حداثة ومضامين تطور التعليم، إذ لا بد لنا هنا من أن نهتم في التحول
الرقمي ودوره في تعزيز عمليتي التعليم والتعلم، وما يندرج تحت ذلك من أمور مثل
تغير نماذج التعلم والتدريس، والتعلم من أي مكان، والتعلم الذاتي، وأهمية الذكاء
الاصطناعي.
وأضاف يتعين علينا أيضاً أن
ندرس ونتفهم وندرك ماهية سوق العمل المستقبلي، وكيف لنا أن نكيف نظامنا التعليمي
ليتناسب مع المرحلة المستقبلية لسوق العمل التي سوف تختلف كلياً بحسب الدراسات
التي أظهرت بروز وظائف جديدة واختفاء أخرى، وهو بالتالي ما يجب أن نمنحه حيزاً
وافراً من الاهتمام والدراسة، ويبدأ ذلك من خلال تحديد طبيعة المهارات واتجاهات
سوق العمل، ودور التعليم في تشكيل مستقبل العمل، ومهارات المستقبل لوظائف
المستقبل.
ولفت إلى أن المشهد المستقبلي
للتعليم، أصبح يحمل توجهات تربوية حديثة تندرج ضمن أي منظومة تعليمية تسعى إلى
تحقيق جودة المخرج، لذا كان لزاما على أي منظومة تعليمية أن تواكب التدفق
المعلوماتي والتغيير الذي طرأ على طبيعة المعلومات والعلوم والمعارف المتنوعة،
وبناء مناهج تعليمية تتسق مع المستقبل وحاجاته، وتوفر لطلبتنا حاجاتهم المعرفية،
وتضعهم جنباً إلى جنب مع متطلبات العصر وأفق تقدمه، من أجل بناء مهارات القرن 21،
وتأسيس معلمين ذو كفايات تعليمية، وإدخال التكنولوجيا في تعزيز مضمون المنهج
الدراسي وعملية التعلم، وتوفير منصات تعليمية متطورة للتعلم.
وأوضح أن ما تم الإشارة إليه،
ليس من قبيل الترف أو فكراً ينفصل عن حاجاتنا المستقبلية في تحقيق تعليم نوعي
مستدام، قادر على نقلنا إلى اقتصاد المعرفة، بل هو ضرورة لكي نمهد الطريق لأجيال
متعلمة ومهارية قادرة على المنافسة والإبداع والابتكار، وهذا ما استدعى دولة
الإمارات إلى النهوض بالتعليم وتوفير مختلف الإمكانات لتغيير جذري في ملامحه
وهيكليته وأسسه ومضامينه بحيث يتخذ من الحداثة وروح العصر مساراً لتقدمه، ويكون
مبنياً على أفضل النماذج التعليمية العالمية.
وذكر أنه من هذا المنطلق شكل
استشراف المستقبل توجها وطنياً، فكانت ثمرته بأن وجهت القيادة الرشيدة ببناء تعليم
تنافسي، حفاظاً على المنجزات وسعياً لمكتسبات جديدة، فانبثقت بذلك خطة تطوير
التعليم في دولة الإمارات التي استمدت رؤيتها من متطلبات الوطن المستقبلية،
واعتمدت استراتيجية وزارة التربية والتعليم على معايير عالمية في التطوير، فاهتمت
بالمنهج الدراسي والبيئة التعليمية والتكنولوجيا وأساليب التدريس الحديثة وتعزيز
موقع ومهارات المعلم المستقبلية، وكان نتاج ذلك أن برز مشروع المدرسة الإماراتية،
ليواكب تسارع الحدث التعليمي ويمضي قدماً لبناء أجيال نفخر بها مستقبلاً.
من جانبها، قالت مهرة المطيوعي
مديرة المركز الإقليمي للتخطيط التربوي في كلمتها، أنه لم يكن التعليم استثناءً في
قاموس ريادة دولة الإمارات، بفضل انطلاقه من عزيمة صادقة وطموحات عالية ورؤى
سديدة، صاغها الآباء المؤسسون منذ الأيام الأولى لقيام اتحاد الامارات، بقيادة
الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – "طيب الله ثراه" الذي
علّمنا «أن رصيد أي أمة متقدمة هو أبناؤها المتعلمون، وأن تقدم الشعوب والأمم،
إنما يقاس بمستوى التعليم وانتشاره».
وبينت أن الإمارات بلغت مرتبة
عالية لم تصلها دول أخرى في عقود طويلة، ويعزى الفضل في ذلك إلى رصيدها من الثروة
البشرية المتعلمة التي تحمل لواء التطوير والتقدم في مختلف المجالات، ويبدو ذلك
جليًا من خلال اعتراف وكالات التقييم العالمية التي تضع دولتنا في مراكز متقدمة،
تصل إلى الصدارة أحيانا في العديد من المحاور والمؤشرات الفرعية العالمية في
تقارير التنافسية العالمية، والخطط الطموحة لدخول عوالم أحدث تقنيات العصر وريادة
الفضاء، لنجد الإمارات تسير بخطى ثابتة نحو الريادة في مجال التربية والتعليم الذي
يستحوذ على أهمية قصوى في "رؤية 2021" القائمة على ستة محاور، ركّز
أحدها على تأسيس "نظام تعليمي رفيع المستوى".
وأضافت: لتحقيق هذه الغايات
تؤمن قيادتنا الرشيدة بأهمية التعاون مع شعوب العالم والمؤسسات الدولية، لنشر
العلم وتبادل المعرفة، والتنسيق المشترك لمواجهة مختلف التحديات التي تفرضها
التغيرات المتسارعة على مختلف جوانب حياتنا، بما يسهم في إرساء السلم والأمن الدوليين،
وتحقيق التنمية المستدامة، بما يعود بالنفع على البشرية جمعاء.
ولفتت إلى أنه تقديرا لجهودها
وتطورها واستراتيجياتها الطموحة، فقد تقرر إنشاء المركز الإقليمي للتخطيط التربوي
في دولة الإمارات العربية المتحدة في 17 أكتوبر 2003، ليكون مركزاً إقليميا يخدم
دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي في بناء القدرات الوطنية والإقليمية في
مجال التخطيط التربوي الحديث و تيسير الانتفاع بالمعلومات المتعلقة بالتخطيط
التربوي وإدارته في البلدان الأخرى وانتاج ونشر المعرفة الداعمة لسياسات التعليم
والممكنة لتخطيط النظم التعليمية وتقديم الدعم الفني لدول الاقليمي بالشراكة مع
منظمة اليونسكو والشركاء الاستراتيجيين في المنطقة ضمن مبادرة التعليم 2030
وأوضحت انه منذ إنشاء المركز
وهو يحظى بالدعم اللامحدود من القيادة في دولة الإمارات ، ما مكنه من تبنى العديد
من المشاريع و المبادرات و الاستراتيجيات لنشر وإنتاج المعرفة، ومن أهمها تنظيم
المؤتمرات الدولية الهادفة إلى التعريف بأرقى الممارسات، وإيجاد وسيلة فاعلة لنقل
المعلومات التعليمية والتوجهات العالمية وتبادلها والمشاركة بها، والاطلاع على
أفضل الخبرات وآخر المستجدات، بما يساعد دولنا في المنطقة على اللحاق بركب التقدم
العلمي، عن طريق الاستثمار الحكيم والموجّه في تطوير أنظمتنا التعليمية، اختصارا
للوقت والجهد، في وقت يشهد العالم أجمع زخما قويا من التغيرات المتسارعة في كافة
المجالات، وما يتضمنه ذلك من تحديات جسام تفرض على كافة مناحي الحياة في الوطن
العربي.
الجلسة الرئيسية للمؤتمر
شارك في الجلسة الرئيسة
الأولى للمؤتمر البروفيسور ين تشيونغ تشنغ، من جامعة هونغ كونغ، وقدم
ورقة عمل بعنوان "تحول التعلم نحو الموجة الثالثة في عصر التحول
الرقمي" أكد فيها أنه في ضوء الاستجابة لتحديات العولمة والطفرة التكنولوجية
والمنافسة الاقتصادية، شرعت العديد من الدول بالفعل في تغيير أنظمتها التعليمية من
النماذج التقليدية إلى نماذج جديدة لتعزيز القدرة التنافسية في المستقبل وتطوير
قدرات طلابها ومجتمعاتها، ولا سيما الاستعداد للتأثيرات الضخمة المتعلقة بالتقنيات
الحديثة (مثل تحليلات البيانات الهائلة، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا
المتنقلة، والواقع الافتراضي، والطّباعة ثلاثيّة الأبعاد، وغيرها) وكذلك التحولات
ذات الصلة.
من جانبه، قدم الدكتور
فيصل الحمادي – مستشار معالي وزير الدولة لشؤون التعليم العالي والمهارات
والمتقدمة التعليم العالي – وزارة التربية والتعليم، ورقة عمل بعنوان
"التعليم من أجل فرص العمل المستقبلية"، حيث أشار إلى أنه وفقاً
إلى توقعات المستقبل والدراسات الحديثة فإن 85 بالمئة من المهارات للوظائف
المستحدثة ستكون جديدة ، وأنه سوف تختفي وظائف عديدة ويحل محلها وظائف أخرى،
مشيراً إلى انه هذه المؤشرات تدفعنا إلى أن نعمل بوتيرة متسارعة في تطوير التعليم،
والنظر في استراتيجياته والتركيز على الابداع والابتكار وتوليد
الأفكار والعالمية في التخطيط.
وذكر أن دور وزارة التربية
والتعليم يتمثل في تجهيز الطلبة للمستقبل والتركيز على اكسابهم المهارات
المستقبلية، كما قدم شرحاً مفصلاً عن التوجهات الوطنية ومئوية الإمارات وإلى ما
تستند إليه من غايات وأهداف مستقبلية لا سيما في مجال التعليم والتكنولوجيا
ومهارات العصر.
06/11/2019